فصل: تفسير الآيات (24- 26):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآية رقم (10):

{إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10)}
قوله عز وجل: {إذ جاؤوكم من فوقكم} أي من فوق الوادي من قبل المشرق وهم أسد وغطفان وعليهم مالك بن عوف النصري وعيينة بن حصن الفزاري في ألف من غطفان ومعهم طليحة بن خويلد الأسدي في بني أسد وحيي بن أخطب في يهود قريظة {ومن أسفل منكم} يعني من بطن الوادي من قبل المغرب وهم قريش وكنانة عليهم أبو سفيان بن حرب من قريش ومن تبعه، وأبو الأعور عمرو بن سفيان السلمي من قبل الخندق وكان الذي جر غزوة الخندق فيما قيل إجلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير من ديارهم {وإذا زاغت الأبصار} أي مالت وشخصت من الرعب وقيل مالت عن كل شيء فلم تنظر إلى عدوها {وبلغت القلوب الحناجر} أي زالت عن أماكنها حتى بلغت الحلوق من الفزع والحنجرة جوف الحلقوم، وهذا على التمثيل عبر به عن شدة الخوف، وقيل معناه أنهم جبنوا وسبيل الجبان إذا اشتد خوفه أن تنتفخ رئته وإذا انتفخت رئته رفعت القلب إلى الحنجرة فلهذا يقال: للجبان انتفخ سحره {وتظنون بالله الظنونا} أي اختلفت الظنون بالله فظن المنافقون استئصال محمد وأصحابه وظن المؤمنون النصر والظفر لهم.

.تفسير الآيات (11- 18):

{هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18)}
{هنالك ابتلي المؤمنون} أي عند ذلك اختبر المؤمنون بالحصر والقتال ليتبين المخلصون من المنافقين {وزلزلوا زلزالاً شديداً} أي حركوا حركة شديدة {وإذ يقول المنافقون} يعني معتب بن قشير وقيل عبد الله بن أبيّ وأصحابه {والذين في قلوبهم مرض} أي شك وضعف اعتقاد {ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً} هو قول أهل النفاق يعدنا محمد فتح قصور الشام وفارس وأحدنا لا يستطيع أن يجاوز رحله هذا هو الغرور. قوله تعالى: {وإذ قالت طائفة منهم} أي من المنافقين وهم أوس بن قيظي وأصحابه {يا أهل يثرب} يعني يا أهل المدينة وقيل يثرب اسم الأرض ومدينة الرسول صلى الله عليه وسلم في ناحية منها سميت يثرب باسم رجل من العماليق كان قد نزلها في قديم الزمان وفي بعض الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تسمى المدينة يثرب وقال هي طيبة كأنه كره هذه اللفظة لما فيها من التثريب وهو التقريع والتوبيخ {لا مقام لكم} أي لا مكان لكم تنزلون وتقيمون فيه {فارجعوا} أي إلى منازلكم وقيل عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وقيل عن القتال {ويستأذن فريق منهم النبي} يعني بني حارثة وبني سلمة {يقولون إن بيوتنا عورة} أي خالية ضائعة وهي مما يلي العدو ونخشى عليها السراق فكذبهم الله تعالى بقوله: {وما هي بعورة إن يريدون إلا فراراً} أي أنهم لا يخافون ذلك إنما يريدون الفرار من القتال {ولو دخلت عليهم في أقطارها} يعني لو دخل هؤلاء الجيوش الذين يريدون قتالهم وهم الأحزاب من نواحي المدينة وجوانبها {ثم سئلوا الفتنة} أي الشرك {لأتوها} أي لجاؤوها وفعلوها ورجعوا عن الإسلام {وما تلبثوا بها} أي ما احتبسوا عن الفتنة {إلا يسيرا} أي لأسرعوا الإجابة إلى الشرك طيبة به نفوسهم، وقيل معناه وما أقاموا بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلا حتى يهلكوا. قوله عز وجل: {ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل} أي من قبل غزوة الخندق {لا يولون الأدبار} أي لا ينهزمون، قيل هم بنو حارثة هموا يوم أحد أن يفشلوا مع بني سلمة، فلما نزل فيهم ما نزل عاهدوا الله أن لا يعودوا لمثلها، وقيل هم أناس غابوا عن وقعة بدر فلما رأوا ما أعطى الله أهل بدر من الكرامة والفضيلة قالوا لئن أشهدنا الله قتالاً لنقاتلن فساق الله إليهم ذلك {وكان عهد الله مسؤولاً} أي عنده في الآخرة {قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل} أي الذي كتب عليكم لأن من حضر أجله مات أو قتل لابد من ذلك {وإذاً لا تمتعون} أي بعد الفرار {إلا قليلاً} أي مدة آجالكم وهي قليل {قل من ذا الذي يعصمكم} أي يمنعكم {من الله إن أراد بكم سوءاً} أي هزيمة {أو أراد بكم رحمة} أي نصراً {ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً} أي ناصراً يمنعهم {قد يعلم الله المعوقين منكم} أي المثبطين الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {والقائلين لإخوانهم هلم إلينا} أي ارجعوا إلينا ودعوا محمداً صلى الله عليه وسلم فلا تشهدوا معه الحرب فإنا نخاف عليكم الهلاك، قيل هم أناس من المنافقين كانوا يثبطون أنصار النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون لهم ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ولو كانوا لحماً لالتهمهم أي ابتلعهم أبو سفيان وأصحابه دعوا الرجل فإنه هالك.
وقيل نزلت في المنافقين وذلك أن اليهود أرسلت إليهم ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سفيان ومن معه، فإنهم إن قدروا عليكم في هذه المرة لم يستبقوا منكم أحداً وإنا نشفق عليكم فأنتم إخواننا وجيراننا هلموا إلينا فأقبل عبد الله بن إبيّ ابن سلول وأصحابه على المؤمنين يعوقونهم ويخوفونهم بأبي سفيان ومن معه، وقالوا لئن قدر اليوم عليكم لم يستبق منك أحداً أما ترجعون عن محمد ما عنده خير ما هو إلا أن يقتلنا ها هنا انطلقوا بنا إلى إخواننا يعني اليهود، فلم يزدد المؤمنين بقول المنافقين إلا إيماناً واحتساباً وقوله تعالى: {ولا يأتون البأس} يعني الحرب {إلا قليلاً} أي رياس وسمعة من غير احتساب ولو كان ذلك القليل لله لكان كثيراً.

.تفسير الآيات (19- 23):

{أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)}
{أشحة عليكم} أي بخلاء بالنفقة في سبيل الله والنصرة وصفهم الله بالبخل والجبن {فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم} أي في رؤوسهم من الخوف والجبن {كالذي يغشى عليه من الموت} أي كدوران عين الذي قرب من الموت وغشيه أسبابه فإنه يذهب عقله ويشخص بصره فلا يطرف {فإذا ذهب الخوف} أي زال {سلقوكم} أي آذوكم. ورموكم في حالة الأمن {بألسنة حداد} أي ذربة تفعل كفعل الحديد قال ابن عباس معناه عضوكم وتناولوكم بالنقص والغيبة، وقيل بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسمة الغنيمة يقولون أعطونا فإنا شهدنا معكم القتال فلستم بأحق بالغنيمة منا فهم عند الغنيمة أشجع قوم وعند الحرب أجبن قوم {أشحة على الخير} أي يشاحون المؤمنين عند الغنيمة فعلى هذا المعنى يكون المراد بالخير المال {أولئك لم يؤمنوا} أي لم يؤمنوا حقيقة الإيمان وإن أظهروا الإيمان لفظاً {فأحبط الله أعمالهم} أي التي كانوا يأتون بها مع المسلمين قيل هي الجهاد وغيره {وكان ذلك على الله يسيراً} أي إحباط أعمالهم مع أن كل شيء على الله يسير. قوله تعالى: {يحسبون} يعني هؤلاء المنافقين {الأحزاب} يعني قريشاً وغطفان واليهود {لم يذهبوا} أي لم ينصرفوا عن قتالهم جبناً وفرقاً وقد انصرفوا عنهم {وإن يأت الأحزاب} أي يرجعوا إليهم للقتال بعد الذهاب {يودوا لو أنهم بادون في الأعراب} أي يتمنون لو أنهم كانوا في بادية مع الأعراب من الجبن والخوف {يسألون عن أنبائكم} أي عن أخباركم وما آل إليه أمركم {ولو كانوا فيكم} يعني هؤلاء المنافقين {ما قاتلوا إلا قليلاً} يعني يقاتلون قليلاً يقيمون به عذرهم فيقولون قد قاتلنا معكم وقيل هو الرمي بالحجارة وقيل رياء من غير احتساب.
قوله عز وجل: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} أي قدوة صالحة أي اقتدوا به اقتداء حسناً وهو أن تنصروا دين الله وتؤازروا رسوله ولا تتخلفوا عنه وتصبروا على ما يصيبكم كما فعل هو إذ قد كسرت رباعيته وجرح وجهه وقتل عمه وأوذي بضروب الأذى فصبر وواساكم مع ذلك بنفسه فافعلوا أنتم كذلك أيضاً واستنوا بسنته {لمن كان يرجوا الله} يعني أن الأسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم لمن كان يرجو الله قال ابن عباس يرجو ثواب الله {واليوم الآخر} يعني ويخشى يوم البعث الذي فيه الجزاء {وذكر الله كثيراً} أي في المواطن على السراء والضراء ثم وصف حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب فقال تعالى: {ولمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله} أي قالوا ذلك تسليماً لأمر الله وتصديقاً بوعده {وصدق الله ورسوله} أي فيما وعدا وهو مقابلة قول المنافقين {ما وعدنا الله إلا غروراً}
وقولهم {وصدق الله ورسوله} ليس إشارة إلى ما وقع فإنهم كانوا يعرفون صدق الله ورسوله قبل الوقوع، وإنما هو إشارة إلى البشارة في جميع ما وعد فيقع الكل مثل فتح مكة وفتح الروم وفارس، وقيل إنهم وعدوا أن تلحقهم شدة وبلاء فلما رأوا الأحزاب وما أصابهم من الشدة قالوا هذه ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله {وما زادهم إلا إيماناً} أي تصديقاً لله {وتسليماً} أي لأمره. قوله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} أي قاموا بما جاهدوا الله عليه ووفوا به {فمنهم من قضى نحبه} أي فرغ من نذره ووفى بعهده وصبر على الجهاد حتّى استشهد، وقيل قضى نحبه يعني أجله فقتل على الوفاء يعني حمزة وأصحابه، وقيل قضى نحبه أي بذل جهده في الوفاء بالعهد وقيل قضى نحبه استشهد يوم بدر وأحد {ومنهم من ينتظر} يعني من بقي بعد هؤلاء من المؤمنين ينتظرون أحد الأمرين إما الشهادة أو النصر على الأعداء {وما بدلوا} يعني عهدهم {تبديلاً}.
(ق) عن أنس قال غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر فقال يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون قال اللهم إني اعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني أجد ريحاً من دون أحد فقال سعد فما استطعت يا رسول الله ما صنع قال أنس فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه قال أنس كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: من المؤمنين رجال صدقوا ما عدهوا الله عليه إلى آخر الآية.
(ق) عن خباب بن الأرت قال: «هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نلتمس وجه الله. فوقع أجرنا على الله فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئاً منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد وترك نمرة وكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه وإذا غطينا رجليه بدت رأسه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه سلم أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه من الأذخر ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها» النمرة كساء ملون من صوف، وقوله ومنا من أينعت أي أدركت ونضجت له ثمرته، وهذه استعارة لما فتح الله لهم من الدنيا، وقوله يهدبها أي يجتنيها ويقطعها. عن أبي موسى بن طلحة قال: «دخلت على معاوية فقال ألا أبشرك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: طلحة ممن قضى نحبه» أخرجه الترمذي. وقال هذا حديث غريب.
(خ) عن قيس ابن أبي حازم قال: «رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد».

.تفسير الآيات (24- 26):

{لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26)}
قوله عز وجل: {ليجزي الله الصادقين بصدقهم} أي جزاء صدقهم وصدقهم هو الوفاء بالعهد {ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم} أي فيهديهم إلى الإيمان ويشرح له صدورهم {إن الله كان غفوراً رحيماً ورد الله الذين كفروا} يعني قريش وغطفان {بغيظهم} أي لم يشف صدروهم بنيل ما أرادوا {لم ينالوا خيراً} أي ظفراً {وكفى الله المؤمنون القتال} أي الملائكة والريح {وكان الله قوياً} أي في ملكه {عزيزاً} أي في انتقامه. قوله تعالى: {وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب} أي عاونوا الأحزاب من قريش وغطفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين وهم بنو قريظة {من صياصيهم} أي من حصونهم ومعاقلهم واحدها صيصية {وقذف في قلوبهم الرعب} أي الخوف {فريقاً تقتلون} يعني الرجال يقال كانوا ستمائة {وتأسرون فريقاً} يعني النساء والذراري يقال كانوا سبعمائة قيل وخمسين.

.تفسير الآيات (27- 29):

{وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)}
{وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضاً لم تطؤوها} يعني بعد قيل هي خيبر ويقال إنها مكة وقيل فارس والروم وقيل هي كل أرض تفتح على المسلمين إلى يوم القيامة {وكان الله على كل شيء قديراً}.
قيل كانت في آخر ذي القعدة سنة خمس. وعلى قول البخاري المتقدم في غزوة الخندق عن موسى بن عقبة أنها كانت في سنة أربع. قال العلماء بالسير إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصبح في الليلة التي انصرف الأحزاب راجعين إلى بلادهم انصرف صلى الله عليه وسلم والمؤمنون عن الخندق إلى المدينة ووضعوا السلاح، فلما كان الظهر أتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم متعمماً بعمامة من إستبرق على بغلة بيضاء عليها رحالة وعليها من قطيفة من ديباج، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند زينب بنت جحش وهي تغسل رأسه وقد غسلت شقه فقال جبريل يا رسول الله قد وضعت السلاح؟ قال: «نعم قال: جبريل عفا الله عنك ما وضعت الملائكة السلاح منذ أربعين ليلة وما رجعت الآن إلا من طلب القوم» وروى أنه كان الغبار على وجه جبريل وفرسه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجهه ووجه فرسه فقال إن الله تعالى يأمرك بالمسير إلى بني قريظة وأنا عامد إلى بني قريظة فانهز إليهم فإني قد قطعت أوتارهم وفتحت أبوابهم وتركتهم في زلزال وبلبال، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم منادياً فأذن أن من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب برايته إليهم وابتدرهم الناس، وسار علي حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريق فقال: يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث. قال: «أظنك سمعت لي منهم أذى قال: نعم يا رسول الله قال: لو قد رأوني لم يقولوا من ذلك شيئاً» فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم قال: «يا أخوان القردة قد أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته». قالوا: يا أبا القاسم ما كنت جهولاً؛ ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة فقال: «هل مر بكم أحد؟ فقالوا: يا رسول الله مر بنا دحية بن خليفة على بغلة بيضاء عليها رحاله وعليها قطيفة ديباج. فقال صلى الله عليه وسلم ذاك جبريل عليه السلام بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم» فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة نزل على بئر من آبارها في ناحية أموالهم وتلاحق به الناس فأتاه رحال بعد صلاة العشاء الأخيرة ولم يصلوا العصر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة» فصلو العصر بها بعد العشاء الأخيرة فما عابهم الله بذلك ولا عنفهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العلماء: حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب كان حيي بن أخطب دخل على بني قريظة حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان ووفى لكعب بن أسد بما كان عاهده، فلما أيقنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم قال كعب بن أسد يا معشر يهود إنكم قد نزل من الأمر ما ترون وإني عارض عليكم خلالاً ثلاثاً فخذوا أيها شئتم. قالوا: وما هن؟ قال نتابع هذا الرجل ونصدقه فوالله لقد تبين لكم أنه نبي مرسل وأنه الذي تجدونه في كتابكم فتؤمنون على دياركم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم. فقالوا: لا نفارق حكم التوراة أبداً ولا نستبدل به غيره. قال: فإذا أبيتم هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالاً مصلتين بالسيوف ولا نترك وراءنا ثقلاً يهمنا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا شيئاً نخشى عليه وإن نظهر فلعمري لنتخذن النساء والأبناء. قالوا: نقتل هؤلاء المساكين فما في العيش بعدهم خير. قال: فإن أبيتم هذه الليلة ليلة السبت وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فانزلوا فلعلنا أن نصيب من محمد وأصحابه غرة. قالوا: نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يكن أحدث فيه من قبلنا إلا ما قد علمت فأصابهم من المسخ ما لم يخف عليك. قال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه حازماً ليلة من الدهر ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه سلم أن ابعث لنا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بن عمرو بن عوف وكانوا حلفاء الأوس نستشيره في أمرنا. فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم. فلما رأوه قام إليه الرجال والنساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم. فقالوا: يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد قال نعم وأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح، قال أبو لبابة فوالله ما زالت قدماي حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت النبي صلى الله عليه سلم حتى ربط في المسجد إلى عمود من عمده وقال والله لا أبرح مكاني حتى يتوب الله علي مما صنعت وعاهد الله لا يطأ أرض بني قريظة أبداً ولا يراني الله في بلد قد خنت الله ورسوله فيه أبداً.
فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وأبطأ عليه قال: «أما لو قد جاءني لاستغفرت له فأما إذا فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه» ثم إن الله أنزل توبة أبي لبابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة قالت أم سلمة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقلت: مم ضحكت يا رسول الله أضحك الله سنك؟ قال: «تيب على أبي لبابة. فقلت: ألا أبشره بذلك يا رسول الله قال بلى إن شئت» قال فقامت على باب حجرتها وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب. فقالت: يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك. قال: فثار الناس إليه ليطلقوه فقال لا والله حتى يكون رسول الله هو الذين يطلقني بيده فلما مر عليه خارجاً إلى الصبح أطلقه. قال: ثم إن ثعلبة بن سعيد وأسيد بن سعيد وأسيد بن عبيد وهم نفر من بني هذيل ليسوا من قريظة ولا النضير نسبهم من فوق ذلك هم بنو عم القوم أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها بنو قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وخرج في تلك الليلة عمرو بن السعدي القرظي فمر بحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم محمد بن مسلمة الأنصاري تلك الليلة، فلما رآه قال: من هذا قال: عمرو بن السعدي كان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لا أغدر بمحمد صلى الله عليه وسلم أبداً فقال محمد بن مسلمة اللهم لا تحرمني من عثرات الكرام، فخلى سبيله فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة تلك الليلة ثم ذهب فلا يدري أين ذهب من أرض الله فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه فقال: «ذاك رجل نجاه الله بوفائه»؛ وبعض الناس يزعم أنه كان أوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة حين نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبحت برمته ملقاة ولا يدري أين ذهب. فقال: فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المقالة فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواثب الأوس وقالوا يا رسول الله إنهم موالينا دون الخزرج وقد فعلت في موالي الخزرج بالأمس ما قد علمت.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه سلم قبل بني قريظة حاصر بني قينقاع وكانوا حلفاء الخزرج فنزلوا على حكمه.
فسأله إياهم عبد الله بن أبي سلول فوهبهم له. فلما كلمه الأوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى. قال: فذلك إلى سعد بن معاذ» وكان سعد جعله رسول الله صلى الله عليه سلم في مسجده في خيمة امرأة من المسلمين يقال لها رفيدة وكانت تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق «اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب»، فلما حكمه رسول الله صلى الله عليه سلم في بني قريظة أتاه قومه فحملوه على حمار قد وطئوا له وسادة من أدم وكان رجلاً جسيماً ثم أقبلوا معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يقولون يا أبا عمرو أحسن في مواليك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم فلما أكثروا عليه. قال: «قد آن لسعد أن تأخذه في الله لومة لائم» فرجع بعض من كان معه من قومه إلا دار بني الأشهل فنعى لهم رجال بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد بن معاذ عن كلمته التي سمع منه، فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قوموا إلى سيدكم فأنزلوه فقاموا إليه وقالوا: يا أبا عمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك مواليك فتحكم فيهم. فقال سعد عليكم بذلك عهد الله وميثاقه أن الحكم فيهم ما حكمت. قالوا: نعم قال وعلى من ها هنا في الناحية التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالاً له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نعم» قال سعد: فاني أحكم فيهم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد: «لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة» ثم استنزلوا فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار بنت الحارث من نساء بني النجار ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق المدينة التي هي سوقها اليوم فخندق بها خنادق ثم بعث إليهم فضربت أعناقهم في تلك الخنادق يخرج بهم أرسالاً وفيهم عدو الله ورسوله حيي بن أخطب وكعب بن أسد رأس القوم وهم ستمائة أو سبعمائة والمكثر لهم يقول: كانوا بين الثمانمائة إلى التسعمائة وقد قالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالاً يا كعب ما ترى ما يصنع بنا قال أفي كل موطن لا تعقلون ألا ترون الداعي لا ينزع وأن من يذهب به منكم لا يرجع هو والله القتل فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم النبي صلى الله عليه وسلم وأتى بحيي بن أخطب عدو الله وعليه حلة تفاحية قد شققها عليه من كل ناحية كموضع الأنملة أنملة أنملة لئلا يسلبها مجموعة يداه إلى عنقه بحبل فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكنه من يخذل الله يخذل ثم أقبل على الناس فقال يا أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله كتاب وقدر وملحمة كتبت على بني إسرائيل ثم جلس فضرب عنقه وروي عن عائشة قالت لم يقتل من نساء بني قريظة إلا امرأة واحدة قالت والله إنها لعندي تتحدث معي وتضحك ظهراً وبطناً ورسول الله صلى الله عليه سلم يقتل رجالهم بالسيف إذ هتف هاتف باسمها أين فلانة قالت أنا والله قلت ويلك مالك قالت أقتل قلت ولم قالت حدثا أحدثته قالت فانطلق بها فضرب عنقها وكانت عائشة تقول ما أنسى عجباً منها طيب نفس وكثرة ضحك وقد عرفت أنها تقتل قال الواقدي وكان اسم المرأة بنانة امرأة الحكم القرظي وكانت قتلت خلاد بن سويد قال وكان علي والزبير يضربان أعناق بني قريظة ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس هناك.
وروى محمد بن إسحاق عن الزهري أن الزبير بن باطا القرظي ويكنى أبا عبد الرحمن كان مّنَّ على ثابت بن قيس بن شماس في الجلية يوم بعاث أخذه فجز ناصيته ثم خلى سبيله فجاءه يوم قريظة وهو شيخ كبير فقال يا أبا عبد الرحمن هل تعرفني قال وهل يجهل مثلي مثلك قال إني أريد أن أجزيك بيدك عندي قال إن الكريم يجزي الكريم قال ثم أتى ثابت إلى رسول الله صلى الله عليه سلم فقال يا رسول الله قد كان الزبير عندي يد وله عليَّ منة وقد أحببت أن أجزيه بها فهب لي دمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هو لك» فأتاه فقال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وهب لي دمك قال شيخ كبير لا أهل له ولا ولد فما يصنع بالحياة فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أهله وأولاده فقال: «هم لك» فأتاه فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني امرأتك وولدك فهم لك فقال أهل بيت بالحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما له يا رسول الله قال: «هو لك» فأتاه فقال إن رسول الله صلى لله عليه وسلم قد أعطاني مالك فهو لك فقال أي ثابت ما فعل الذي كان وجهه مرآة صينية يتراءى فيه عذارى الحي كعب بن أسد قال قتل قال فما فعل مقدمتنا إذا شددنا وحاميتنا إذا كررنا عزال بن شموال قال قتل قال فما فعل المجلسان يعني بني كعب وبني قريظة بني عمرو بن قريظة قال قتلوا قال فإني أسألك بيد عندك يا ثابت إلا ما ألحقتني بالقوم فوالله ما في العيش بعد هؤلاء من خير فما أنا بصابر حتى ألقى الأحبة فقدمه ثابت فضربت عنقه فلما بلغ أبا بكر الصديق قوله حتى يلقى الأحبة قال يلقاهم والله في نار جهنّم خالداً أبداً قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتل من أنبت منهم ثم قسم أموال بني قريظة ونساءهم على المسلمين وأغنم في ذلك اليوم سهمين للخيل وسهماً للرجال فكان للفارس ثلاثة أسهم سهمان للفرس ولفارسه سهم وللراجل من ليس له فرس سهم وكانت الخيل ستة وثلاثين فرساً وكان أول يوم وقع فيه السهمان ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأنصاري أخا بني الأشهل بسبايا من سبايا بني قريظة إلى نجد فابتاع لهه بهم خيلا وسلاحاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفى لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خنانة إحدى نساء بني عمرو بن قريظة فكانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي عنها وفي في ملكه وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على أن يتزوجها ويضرب عليها الحجاب. فقالت: يا رسول الله بل تتركني في ملكك فهو أخف علي وعليك فتركها وقد كانت حين سباها كرهت الإسلام وأبت إلا اليهودية فعزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجد في نفسه بذلك من أمرها. فبينما هو بين أصحابه إذ سمع وقع نعلين خلفه فقال إن هذا لثعلبة بن شعبة يبشرني بإسلام ريحانة فجاءه فقال: يا رسول الله قد أسلمت ريحانة فسره ذلك فلما قضي شأن بني قريظة انفجر جرح سعد بن معاذ وذلك أنه دعا بعد أن حكم في بني قريظة ما حكم فقال اللهم إنك علمت أنه لم يكن قوم أحب إلي أن أجاهدهم من قوم كذبوا رسولك اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش على رسولك شيئاً فأبقني له وإن كنت قد قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك فانفجر كلمه فرجعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيمته التي ضربت عليه في المسجد. قالت: عائشة فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر فو الذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر وبكاء أبي بكر وإني لفي حجرتي.
قالت: وكانوا كما قال الله تعالى: {رحماء بينهم}.
(خ) عن سلمان بن صرد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين أجلى الأحزاب «الآن نغزوهم ولا يغزوننا نحن نسير إليهم».
(ق) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه سلم كان يقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له أعز جنده ونصر عبد ه وهزم الأحزاب وحده فلا شيء بعده».
قوله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن} أي متعة الطلاق {وأسرحكن سراحاً جميلاً} أي من غير ضرر {وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً} سبب نزول هذه الآية أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم سألنه من عرض الدنيا شيئاً وطلبن منه زيادة في النفقة وآذينه بغيرة بعضهن على بعض فهجرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآلى أن لا يقربهن شهراً، ولم يخرج إلى أصحابه فقالوا ما شأنه وكانوا يقولون طلق الله رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه. فقال عمر: لأعلمن لكم شأنه قال فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: «يا رسول الله أطلقتهن قال: لا قلت: يا رسول الله إني دخلت المسجد والمسلمون يقولون طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن. قال: نعم إن شئت فقمت على باب المسجد وناديت بأعلى صوتي لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه» ونزلت هذه الآية: {ولو رده إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} فكنت أنا استنبطت هذا الأمر وأنزل الله آية التخيير وكان تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع نسوة خمسة من قريش وهو: عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر وأم حبيبة بنت أبي سفيان وأم سلمة بنت أبي أمية وسودة بنت زمعة، وأربع من غير قرشيات وهن زينب بن جحش الأسدية وميمونة بنت الحارث الهلالية وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية وجويرية بنت الحارث المصطلقية، فلما نزلت آية التخيير بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة، وكانت أحبهن إليه فخيرها وقرأ عليها فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة فرؤي الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتابعتها على ذلك فلما اخترن الله ورسوله شكرهن الله على ذلك وقصره عليهن فقال تعالى: {لا يحل لك النساء من بعد}.
(م) عن جابر بن عبد الله قال: «دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد الناس جلوساً ببابه لم يؤذن لأحد منهم، فأذن لأبي بكر فدخل، ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له فوجد رسول الله صلى الله عليه سلم جالساً وحوله نساؤه واجماً ساكتاً. فقال: لأقولن شيئاً أضحك به النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله لقد رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال هن حولي كما ترى يسألنني النفقة فقام أبو بكر إلى عائشة فوجأ عنقها وقام عمر إلى حفصة فوجأ عنقها كلاهما يقول: تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده قلن والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً أبداً ليس عنده ثم اعتزلهن شهراً أو تسعاً وعشرين حتى نزلت هذه الآية: {يا أيها النبي قلت لأزواجك إن كنتن} حتى بلغ: {للمحسنات منكن أجراً عظيماً} قال: فبدأ بعائشة فقال: يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمراً أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك قالت: وما هو يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا عليها الآية قالت أفيك يا رسول الله أستشير أبوي بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت: قال: لا تسألني امرأة منهن إلى أخبرتها إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً مبشراً». قوله: واجماً أي مهتماً، والواجم الذي أسكته الهم وعلته الكآبة وقيل الوجوم الحزن. قولهم فوجأت عنقها أي دققته وقوله لم يبعني معنتاً العنت المشقة والصعوبة.
(م) عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم أقسم أن لا يدخل على أزواجه شهراً قال الزهري فأخبرني عروة عن عائشة قالت: «لما مضت تسع وعشرون ليلة أعدهن دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بي فقلت: يا رسول الله، أقسمت أن لا تدخل علينا شهراً وإنك دخلت من تسع وعشرين؛ أعدهن قال: إن الشهر تسع وعشرين».
فصل في حكم الآية:
اختلف العلماء في هذا الخيار هل كان ذلك تفويض الطلاق إليهن، حتى يقع بنفس الاختيار أم لا فذهب الحسن وقتادة وأكثر أهل العلم، إلى أنه لم يكن تفويض الطلاق وإنما خيرهن على أنهن إذ اخترن الدنيا فارقهن لقوله تعالى: {فتعالين أمتعكن وأسرحكن} بدليل أنه لم يكن جوابهن على الفور، وأنه قال لعائشة: «لا تعجلي حتى تستشيري أبويك» وفي تفويض الطلاق يكون الجواب على الفور، وذهب قوم إلى أنه كان تفويض الطلاق ولو اخترن أنفسهن كان طلاقاً. التفريع على حكم الآية اختلف أهل العلم في حكم التخيير، فقال عمر وابن مسعود، وابن عباس: إذا خير الرجل امرأته فاختارت زوجها لا يقع شيء وإن اختارت نفسها يقع طلقة واحدة، وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى وسفيان والشافعي وأصحاب الرأي إلا أن عند أصحاب الرأي يقع طلقة بائنة إذا اختارت نفسها وعند الآخرين رجعية وقال زيد بن ثابت: إذا اختارت الزوج يقع طلقة واحدة وإذا اختارت نفسها فثلاث وهو قول الحسن به قال مالك.
وروي عن علي أنها إذا اختارت زوجها يقع طلقة واحدة، وإذا اختارت نفسها فطلقة بائنة وأكثر العلماء على أنها إذا اختارت زوجها لا شيء.
(ق) عن مسروق قال: ما أبالي خيرت امرأتي واحدة أو مائة أو الفاً بعد أن تختارني، ولقد سألت عائشة رضي الله عنها، فقالت خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كان طلاقاً وفي رواية فاخترناه فلم يعد ذلك شيئاً.